الشباب .. ومستقبل الإسـلام
إن الشباب هو الجيل الوارث, وهو في كل أمة مصدر قوتها, وعنوان مجهدها, وصمام حياتها, وعليه مدار مستقبلها, فإن كان شباب الأمة واعياً مدركاً لمسؤولياته, مضطلعا بأعباء رسالته, صالحا جسما وروحا, قويا بنية وعقيدة, كان جديرا أن يحقق لأمته كل ما تصبوا إليه من خير وسعادة, ومجد وسيادة, وإن كان الشباب جاهلا غير مدرك لمسؤولياته, ولا مستعد للنهوض بأعباء رسالته في الإصلاح والبناء والتعمير, كان أحرى بتلك الأمة التي هذا شبابها أن تضيع حياتها, وتخسر مستقبلها, وتقتل في نفسها آمالها وأحلامها في العزة والكرامة والمجد والسيادة.
إنّ هذه حقيقة علمية لا تكاد تخطىء, وسنة كونية لا يرجى أن تتخلف, وعليه - وأمة الإسلام اليوم تتطلع إلى مستقبل تسترد فيه مجهدها وكرامتها, وتسترجع قيادتها وسيادتها, وتعيد فيها إلى العالم الإنساني ما فقد من خير هداية, وما خسر من سعادة صلاح - فإنّ عليها أن تعي هذه الحقيقة, وتتفهم هذه السنة, وتجعل سلمها الوحيد الذي تريد أن ترقى به إلى أمجادها هو شبابها, وحينئذ فلتنظر في شبابها نظرة جد وحزم لترى في أي شيء هو, وعلى أيّ مستوى من مستويات القوة والصلاح, فإن وجدته الشباب المدرك الواعي, والقوي العصامي, الذي لا يباري في طموحه, شعاره حب الكفاح, والرغبة الصادقة في الإصلاح, هدفه الخير وغايته الشرف, إطمأنت عندئذ إلى مستقبلها السعيد, وإلى غدها المشرق القريب. وإن وجدته شبابا خائر القوى, فاقد العزيمة, ضعيف الإرادة, تتقاسمه التيارات الجارفة, وتتنازعه المبادئ الفاسدة, والأفكار المنحرفة, فاقد الوعي, محروم التفكير الصالح, يعيش بلا هدف, ويحيا بلا غاية, هو إلى اليأس أقرب منه إلى الأمل, وإلى الأماني الكاذبة أدنى منه إلى الآمال الصادقة, وجب عليها أن تفكر في الجد, وبسرعة في إصلاح شبابها, الذي هو وارث حياتها, وعدة مستقبلها, وقوام قوتها, ومفتاح سعادتها, لتجعله - بإذن الله - في مستوى المسؤولية, وعلى قدر المهمة التي تعلقها عليه وتنيطها به.
وإن قيل: فما هو طريق إصلاح هذا الشباب المسلم؟ ولم لا تسهم أيها الكاتب في بيان هذا الطريق؟
فجوابي: إني مع اعترافي بالعجز عن وضع خطة ناجحة لإصلاح الشباب المسلم, أو توضيح طريق معين لذلك, فإني لا أبخل بجهد المقل, وأحرم نفسي شرف الإسهام والمشاركة في وضع خطة لابد أن توضع, وبيان طريق لابد أن يبين, إذ هو من ضروريات بقاء هذه الأمة المسلمة, ووصولها إلى غايتها وأهدافها في العزة والكرامة والجد والسيادة.
فلذا أتقدم إلى الذين يعنيهم شأن أمة الإسلام ويهمهم الأمر بقائها وسعادتها باقتراح يتمثل في الفكرة التالية: وهي إنشاء منظمة للشباب المسلم تديرها مؤمنة من المفكرين ذوي الكفاءة والإخلاص, يكون مقرها الدائم المدينة المنورة حيث ترعاها الحكومة المسلمة, ويدعمها حامي الحرمين الشريفين.
ومن المدينة منطلق الهداية الأولى ومصدر الإلهام للإسلام, تنطلق دعوة الإصلاح للشباب المسلم, وتعاليم نافعة وتوجيهات صالحة وإرشادات هادية, وخطط للعمل والسلوك محكمة صائبة, يحملها فتيان الإيمان ورسل الإسلام السلام إلى كل بلد فيه للإسلام شباب, وللمسلمين آمال عذاب, في مستقبل طاهر زاهر, وحياة شريفة سعيدة, حيث تتلقى الرسالة أيد قوية مؤمنة, وتعيه قلوب طاهرة نقية, فتجعل لها في كل مدينة قاهرة وقرية ظاهرة دارا كدار الأرقم ابن الأرقم, حيث يجتمع المؤمنون وينطلق الهداة المصلحون.
وما هي إلاّ أزمنة محدودة إن لم تكن أيام معدودة وإذا المسلمون قد تلاقت على الإيمان والحب قلوبهم...وتعارفت على البر والتقوى نفوسهم, أمرهم واحد على من سواهم عزة قعساء, وراية تناطح الجوزاء.
دعاة ينشرون أروقة الرحمة والعدل على كل البشر, وهداة يبذلون المعروف والخير لكل أبيض وأصفر.