#1
نبيل الجلبي
أستاذ بارز
تاريخ التسجيل: 28/01/2009
المشاركات: 1,554
معدل تقييم المستوى: 3
موقف النبي صلى الله عليه وسلم من الشعر والشعراء/د.بدر عبد الحميد هميسة
--------------------------------------------------------------------------------
موقف النبي صلى الله عليه وسلم من الشعر والشعراء
د. بدر عبد الحميد هميسه
جاءت تعاليم الإسلام لترفع من المستوى العقلى والفكري للمسلم, وتجعله يتذوق الجمال ,ويعبر عنه في أسلوب متأنق راق . والشعر وسيلة من تلك الوسائل المهمة التي تبرز مشاعر الإنسان النبيلة , وتعبر عن مستواه الفكري العميق , والإسلام كدين شامل كامل لا يصادر الشعر إذا كان هذا هدفه ومبتغاة , والنبي صلى الله عليه وسلم هو القدوة والنموذج الرفيع في ذلك , فقد شجع على قول الشعر وجعله أسلوباً من أساليب الدعوة إلى الإسلام , وإلى المثل الرفيعة .
1 ـ النبي صلى الله عليه وسلم يحض على قول الشعر :
حينما حاربت قريش الرسول صلى الله عليه وسلم ودعوته بشعرها وألسنتها وسلاحها , لم يكن هناك بد من أن يحاربها بمثل وسائلها , فحض المسلمين على قول الشعر المنافح عن الحق ,المكافح ضد الضلال والشرك , المدافع عن الدين والخلق والعرض . فندب صلى الله عليه وسلم شعراء الإسلام لذلك وحثهم عليه بأساليب متعددة , فقد كان يقول لحسان بن ثابت : " يا حسان اهجهم وروح القدس يؤيدك " فهم الذين بدأوا بهجاء النبي صلي الله عليه وسلم والطعن عليه , وبدأ حسان في الدفاع عن بني الإسلام ودعوته ,فقال النبي صلي الله عليه وسلم - : " لهذا الشعر أشد عليهم من وقع النبل " وقال : " أمرت كعب بن مالك فقال وأحسن , وأمرت حسان بن ثابت فشفى واستشفى ".
وكان صلى الله عليه وسلم وأحيانا يحرص الشاعر فيذكره بكلمة من شعره ,فقد روي أنه لما علم بهجاء أبي سفيان بن الحارث له , قام عبد الله بن روحه يستأذن النبي في الرد عليه , فقال له : أنت الذي تقول فثبت الله ؟ قال : نعم يا رسول الله أنا الذي أقول :
فثبت الله ما آتاك من حسن ** تثبيت موسي ونصرا كالذي نصروا
فقال رسول الله : وأنت فعل الله بك مثل ذلك , فؤثب كعب بن مالك وقال : يارسول الله ائذن لي ,فقال : أنت الذي تقول : هممت سخينة ؟ قال : نعم أنا الذي أقول :
هممت سخينة أن تغالب ربها ** وليغلبن مغالب الغلاب
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله لم ينس لك ذلك .
وهكذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يشجع الشعراء على قول الشعر طالما كان هدفه نصرة الحق , إعلاء منهج الله في الأرض .
2 – النبي صلى الله عليه وسلم يجب سماع الشعر:
استمع النبي صلى الله عليه وسلم إلى الشعر , وأعجب به , بل وشجع الشعراء عليه مادام موافقاً للحق , مقارباً للصواب وقد روي في ذلك أنه استمع للأبيات التي أولها :
وحى ذوي الأضفان تب قلوبهم ** تحيتك الحسنى فقد ترفع النعلُ
فقال :" إن من الشعر لحكمة وإن من البيات لسحرا " ولقد قال لعبد الله بن رواحه ذات يوم : قل شعرا تقتضيه الساعة أنا أنظر إليك فقال عبد الله :
إني تفرست فيك الخير أعرفه ** والله يعلم أني ماخاننى البصر
أنت النبي ومن يحرم شفاعته ** يوم الحساب فقد أزري به القدر
فثبت الله ماأتاك من حسن ** تثبيت موسى ونصرا كالذي نصروا
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " وأنت فثبتك الله يا ابن رواحه ".
ولقد كان صلى الله عليه وسلم يستنشد الغناء ويشجعها ويقول للخنساء :هيه ياخناس فتنشده , ولاننسى موقفه من كعب بن زهير الذي جاءه تائباً معتذراً , ومعلناً إسلامه فأنشده قصيدته الشهيرة "بانت سعاد " فكانت سبباً في عفو النبي صلى الله عليه وسلم عنه ,بل كساه بردته الشريفة , ووهبه مائة من الإبل .
3- النبي صلى الله عليه وسلم ينتقد الشعراء :
كان النبي عليه الصلاة والسلام يستنكر على الشعراء شعر المجون والخلاعة , الشعر الذي هدفه إثارة الغرائز ,وجرح الأغراض , وإثارة الأحقاد , فالشعر كلام حسنه حسن وقبيحة قبيح , والله عزوجل قد استثني الصالحين من الشعراء فقال عزوجل :
" وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ (224) أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ (225) وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ (226) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ (227) سورة الشعراء .
ولقد حفظ النبي صلى الله عليه وسلم بعض مايقوله الشعراء .
وكان يصححه وينتقده , فلقد مر ببعض طرق مكة ومعه أبو بكر الصديق فسمع من ينشد :
ياأيها الرجل المحول رحله ** هلا نزلت بآل عبد الدار
فقال الرسول : يا أبا بكر , أهكذا قال الشاعر ؟ فقال لا يارسول الله . ولكنه قال:
ياأيها الرجل المحول رحله ** هلا نزلت بآل عبد مناف
وهكذا كان النبي صلى الله عليه وسلم خير قدوة ومثل للمسلم الذي يلتزم منهج ربه , ولا يقف ضد أحاسيس الإنسان ومشاعره الطاهرة النبيلة .